السلفية: النشأة والخطاب والتيارات بقلم الدكتور عبد الغني عماد

السلفية: النشأة والخطاب والتيارات

                                                                    الدكتور عبد الغني عماد*

   

  يرافق مصطلح السلفية الكثير من الغموض من حيث دلالاته المعرفية أو بيان نشأته والتطورات التي داخلته. وكما هو الحال مع الكثير من المصطلحات التي يزداد غموضها كلما أصبحت شائعة ومتدأولة بين فرقاء مختلفين، أصبح مصطلح السلفية مجال تجاذب ونقاش زاد من غموضه وتعقيداته تشابك وتداخل المسائل السياسية والعقائدية والمعرفية التي رافقت استخدامه في هذا المجال.

  السلفية لغة، نسبة إلى السلف أو الجماعة المتقدمين كما هي في لسان العرب عند ابن منظور. أما المفهوم الإسلامي الشائع للسلفية والمستقر نسبياً فهو الاتجاه الذي يدعو إلى الإقتداء بالسلف الصالح وإتخاذهم قدوة ونموذجاً في الحاضر. والسلف الصالح هم أهل القرون الثلاثة الأولى من عمر الأمة الإسلامية، عملاً بقول النبي r: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته”.          

  هذا المفهوم العام والشائع للسلفية ينطبق على أغلب المسلمين، فهم جميعاً سلفيون بهذا المعنى، إلا أن التطور التاريخي ساهم في توليد سلفيات متعددة تختلف فيما تتبناه من قضايا وأولويات وتتباين في درجة أو شدّة التسلف في العبادات وفي المعاملات، في المقاصد وفي الوسائل.

في البعد التاريخي للسلفية:

  إلا أن موضوع السلفية ليس بهذا التبيسط، فمن الضروري الغوص بعيداً في التاريخ من أجل فهم السلفية كتيار وعقيدة، وقبل إلقاء نظرة على القرن الثامن عشر، وقراءة محمد بن عبد الوهاب والتجربة السلفية المعاصرة، لا بدّ من العودة إلى القرن التاسع مع الإمام أحمد بن حنبل الذي لعب دوراً هاماً في صناعة الأحداث في بغداد في الربع الأول من ذلك القرن، حيث كان يشدد أكثر من غيره على العودة كلياً إلى النص والسير على خطى السلف الصالح رغبةً منه في تطبيق النموذج الذي نشأ في “المدينة” مع النبي عليه الصلاة والسلام. ومع أن نموذج “المدينة” هو شكل مقتطع من التاريخ الحقيقي الذي شهد صراعات وحروباً بعد انقضاء سنوات قليلة على وفاة صاحب النموذج، تمثل في أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قضوا اغتيالاً، وأن حروباً وفتن نشبت حتى بين الصحابة، وسادها الكثير من الاحتجاجات والسجالات المتبادلة حول شرعية كل واحد منهم، مما دفع ابن حنبل إلى السعي لتهدئة واستيعاب تلك المواجهات وآثارها والعداوات التي انقسم المسلمون حولها باكراً، لذلك عمد إلى التخفيف من أحكامه على من ضلّ خلال الفتنة الأولى ساعياً إلى رأب الصدع وتحقيق أوسع إجماع داخل الأمة حول الحقيقة الواحدة للدين، ولكي يتم تجنب أي تأويل مجازي، وخاض في سبيل ذلك مواجهات فكرية وفقهية عديدة. وتاريخياً يمكن اعتبار تلك المرحلة التي تبلور فيها تيار “أهل الحديث” في القرن الثاني الهجري في مواجهة التحدي الحضاري الذي مثلته الفلسفة اليونانية ومؤثراتها على ثقافة الأمم الأخرى، وهو ما برز بوضوح في مقاومة أحمد بن حنبل، والحنبلية من بعده، للاتجاهات العقلانية والفلسفية والمعتزلية والكلامية عموماً، والتي صعدت بقوة في عهد الخليفة المأمون (ت 218 هجرية) وخلالها تعرض الإمام أحمد والكثير من الفقهاء لما يعرف بـ “محنة خلق القرآن” حيث كان من أبرز نتائجها التبلور الواضح للاتجاهات الفكرية والفقهية الاسلامية[1]، وخاصةً ما يتعلق بتكوين الملامح النظرية والفقهية لتيار أهل الحديث والاتجاه السلفي عموماً في إطار مكونات اجتماعية وأوضاع متمايزة.    

  الحلقة الوسطى بين ابن حنبل وابن عبد الوهاب يمثلها ابن تيمية (1328 م) الفقيه الحنبلي السلفي الذي عاش أيضاً فترة عصيبة مرّ بها الإسلام تمثلت بالغزو المغولي ونهب بغداد وسقوط الخلافة، في وقت كان فيه الخطر الصليبي ما زال ماثلاً في الأذهان. تلك الحالة ولدت إحساساً شعر معه المسلمون أن دينهم مهدد حتى في وجوده. وقد صرف ابن تيمية حياته بما أوتي من جهد وصبر لرصد أي ثغرة تمسّ نقاوة العقيدة، وصفاءها، فتصدى لكل ما صادفه من انعكاسات للفلسفة اليونانية ومؤثراتها على الإسلام، وساجل المذاهب الباطنية معتبراً أنها من البدع بسبب ما توليه من أهمية للتأويل، وأنكر مفهوم وحدة الوجود التي قال بها الصوفيون ومارسوها بعدما رأى فيهم خطراً أشد من المسيحيين على دين قائم على عقيدة التوحيد. وألّف كتاباً صار مرجعاً لكل السلفيين هدفه تنقية الرسالة المحمدية من كل شائبة حمل عنوان (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) وهو كتاب صغير الحجم كبير التأثير، لا يزال يطبع حتى الآن مما يدلّ على الانتشار الذي يحظى به، وهو يتناول علاقة الأمير برعيته في ظل الشريعة، ويشدد على تطبيق الحدود بشكل حرفي، لكنه يولي موضوع الجهاد اهتماماً مميزاً ويساوي بينه وبين الصلاة، حتى ليبدو أنه يضعه فوق الأركان الشرعية الأربعة (الشهادة، والصوم، والزكاة، والحج)، فالدين جذعه الصلاة وتاجه الجهاد. وهو بذلك يجعل محاربة الكفار أحد وظيفتي وليّ الأمر، حيث الأولى تتمثل بتكريس طاقته لخدمة الدين بتأمين انتصار الفضيلة داخل الأمة من خلال إقامة الحدود، والأخرى خوض الجهاد المقدس خارج دار الإسلام. وهو بذلك يريد أن يحقق الإسلام أكبر نجاح ممكن سياسياً ودينياً، وبذلك يصبح السياسي والديني شيئاً واحداً لا يمكن الفصل بينهما، فالسلطة التي لا تهتم للشأن الديني، والدين الذي لا يهتم إلا لذاته متخلياً عن القوة والعظمة، مكتفياً بالتقوى والخشوع، يخسر في الحالتين وينتهي الاثنان إلى الفشل والخراب وتلك هي حال المسيحية واليهودية اللتين أصيبتا بهذا المرض الذي منعهما من إقامة الصرح الديني. هكذا تحول ابن تيمية من فقيه إلى مجاهد يحثّ على الجهاد في العقيدة، وهو ما يعمل الأصوليون والسلفيون المعاصرون على إحيائه[2].

  مع محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) مؤسس التيار الوهابي السلفي، الذي انطلق من عمق الجزيرة العربية في مسقط رأسه نجد الذي التحق به آل سعود، انطلقت حركة تطهيرية ستسهم بعد قرنين في ولادة المملكة العربية السعودية، لكنها في البداية تعرضت لضربات أجهضت مشروعها على يد والي مصر محمد علي (1769- 1848 م) حيث تمكن من طرد الوهابيين من الحجاز (1812 – 1817 م)، كذلك فشلت محاولة أخرى لإقامة دولة الوهابيين أواسط القرن التاسع عشر، لكن مع مطالع القرن العشرين تضافرت الظروف لإعادة إحياء المشروع، وبعد ثلاثين عاماً نجحت قبيلة آل سعود الملتزمة بهذه العقيدة في فرض هيمنتها على جميع القبائل ووحدتها لتنشأ الدولة السعودية عام 1932 التي اعتبرت العقيدة الوهابية عقيدة رسمية أوكل أمر تطبيقها بكل صرامة إلى المطاوعية القائمين على تطبيق أحكام الشريعة في الحياة العامة.

  ثمّة حلقات ثلاث (الحنبلية – ابن تيمية – الوهابية) شكلت الحضن التأسيسي والتاريخي للتيار السلفي، وفي كل حلقة كان هذا التيار يتّجه نحو المزيد من التأصيل والتشدّد، وفي كل حلقة أيضاً كانت تنطلق الموجة السلفية مجدداً بزخم أقوى، ولم يكن صدفة أن يتزامن ذلك دائماً مع تحديات حضارية كبرى، والسلفية المعاصرة اليوم كحلقة راهنة تطلق موجة دفاع عن العقيدة لا تختلف في دوافعها عن سلفيات الأمس وإن اختلفت في الوسائل والأساليب وبعض الاجتهادات.   

– في البعد المعرفي للسلفية الوهابية:

  وإذا تمعنا في كتابات ابن عبد الوهاب، كصاحب عقيدة، بقراءة أشهر كتبه (التوحيد) نكتشف غياب أي تجديد، ولا غرابة في ذلك، فهو مليء بالاستشهادات والاقتباسات التي تؤكد مرجعيته الحنبلية المتشددة، حتى ليبدو معلمه أحمد بن حنبل في الواقع أكثر تسامحاً في بعض المسائل. ويعترف ابن تيمية نفسه بأن معلمه كان متشدداً في ما يخص “العبادات” ومتحرراً تماماً في موضوع “العادات”. حتى أن ابن حنبل تغاضى عن التوسل بالأولياء وزيارة القبور، وإن لم تكن الطرق قد تشكلت بعد في عصره. نشهد في هذا المجال تدرجاً في الحدة بين الحلقات الثلاث التي تبلورت خلالها العقيدة السلفية، فهي حلقات انتقلت من التساهل النسبي مع ابن حنبل إلى الانتقاد النظري الجذري من جانب ابن تيمية وصولاً إلى استخدام العنف وهدم الأضرحة ومنع كل الممارسات التي تسيء إلى صفاء العقيدة مع الوهابيين، بحيث لم يتبقَ في المملكة السعودية أي قبر من قبور الصحابة والأولياء باستثناء قبر النبي.

  انطلق ابن عبد الوهاب في صياغته من اعتبار عقدي، وهو أن التوحيد أساس الإسلام، وهو يعني إفراد الله بالعبادة دون سواه فالمجتمع يجب أن يكون حقلاً تطبيقياً لهذا التوحيد الإلهي، ويعبر عن ذلك من خلال التمييز والتكامل المعرفي الذي يقيمه بين فكرتي توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية. فتوحيد الربوبية يترتب عليه توحيد الألوهية، وبالتالي فإن القبول بتعدد الآلهة هو إدخال للشرك في الحياة الدينية. وبالعكس لا يمكن التسليم بتوحيد الربوبية وفي نفس الوقت الإيمان والولاء لغير الله، مما يعني أن توجيه جزء من العقيدة التي يدان بها الله نحو نبي أو ولي أو حاكم سياسي… الخ هو بمثابة وقوع بغير وعي في الشرك والكفر، ولا يمكن تحقيق المبدأين: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتجسيد الإيمان الحقيقي بالله إلا من خلال ما يسمونه عقيدة الولاء والبراء وهما شرطين من شروط الايمان. ومعنى الولاء هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، والبراء: هو بغض من خالفهم من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق، ومعاداتهم وجهادهم بالقلب واللسان. الولاء والبراء إذن من أعمال القلوب لكن يجب أن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح، استناداً إلى الآية القرآنية: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَنيَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِيالْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( (المائدة: 51).

  في الخلاصة نشهد في هذا المجال تدرجاً في الحدة بين الحلقات الثلاثة التي تبلورت خلالها العقيدة السلفية، فهي حلقات انتقلت من التساهل النسبي مع ابن حنبل إلى الانتقاد النظري الجذري من جانب ابن تيمية، وصولاً إلى استخدام العنف وهدم الأضرحة ومكافحة التصوف والتوسل، ومنع كل الممارسات التي تسيء إلى صفاء العقيدة مع الوهابيين، بحيث لم يتبقَ في المملكة العربية السعودية التي تبنت تحت قيادة عبد العزيز بن سعود (1902-1953) العقيدة السلفية الوهابية، أي قبر من قبور الصحابة والأولياء باستثناء قبر النبي.

  في الممارسة، يفتح مفهوم التوحيد كما تقدمه الوهابية، الباب واسعاً أمام ضوابط شديدة الصرامة، فعندما تقوم العقيدة على مفهوم التوحيد بشقيْه كما سبق وأشرنا، فإن السلوك والممارسة ينبغي أن يتطابق مع هذا المفهوم بشكل لا يكون فيه أي مجال أو شبهة إشراك وكفر بأية طريقة، سواء أكانت عبادة أو تقرباً أو دعاء أو سلوكاً اجتماعياً، وهذا ما حوّل الدعوة الوهابية من خطاب ديني لاهوتي إلى إيديولوجيا تنقض الواقع وتتتبع مصادر الشبهات الشركية والكفرية فيه، وتقدم البدائل عنها.

  وبحكم تركيزها على الجانب المعتقدي التوحيدي، فإن العالم ينقسم وفق هذه المنظومة بشكل ثنائي استقطابي متضاد: عالم كافر مشرك، وعالم مسلم صحيح الإيمان يمثله أهل التوحيد. وقد قادت هذه الرؤية إلى توسيع دائرة ما يعرف بمفهوم “الولاء والبراء” وبالتالي التوسع بتكفير الآخر على ضوء ما عرف في أدبيات الوهابيين بنواقض الإسلام أو قواعد التكفير العشرة التالية:

1- الشرك في عبادة الله ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم.

2- من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعاً.

3- من لم يكفر المشركين أو شكّ في كفرهم أو صحّح مذهبهم.

4- من اعتقد أن هدى غير النبي r أكمل من هديه أو إن حكم غيره أحسن من حكمه.

5- من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول r.

6- من استهزأ بشيء من دين الرسول.

7- السحر ومنه الصرف والعطف، من فعله ومن قبله ورضي به.

8- مظاهرة أو مناصرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.

9- من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج على شريعة محمد r.

10- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به [3].

  وفق هذا الفهم لا يمكن اعتبار كل الحركات الإسلامية سلفية، فالمعايير التي تضعها السلفية الوهابية شديدة الصرامة، ومثال على ذلك أن “حسن البنا” في تعريفه للأخوان المسلمين يقول أنها (طريقة سلفية وطريقة صوفية ودعوى اصلاحية و….) يجمع بين متناقضات حسب القراءة السلفية المتشددة، فاعتباره الاستشفاع بالأولياء ليس من المسائل الاعتقادية بل من المسائل الفرعية، أمر يتناقض كلياً مع ما يتشدد السلفيون الوهابيون في مكافحته باعتباره كفراً، وهم يصفون أهل الصوفية وأتباعهم بالقبوريين.

  ويمكن تحديد الأسس التي تشكل المنظومة المعرفية التي يقوم عليها المنهج السلفي بالعموم، بالعناصر الصلبة التالية:

1- الأولوية للنص على العقل والتسليم الكامل بنصوص الكتاب والسنة وتفسيرها بلا تأويل ولا هوى، واعتبار الأصول ثلاث وهي: الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

2- عقيدة الولاء والبراء، وبمقتضاها ينبغي التبرؤ من أهل الأهواء والبدع والتأويل من المشبهة والمعطلة الذين يأخذون الدين بالعقل أو بغير سنّة الأتباع من الصحابة والسلف الصالح. لكنهم مع ذلك يرفضون تكفير المعيّن، باعتبار أهل القبلة مسلمين مؤمنين ما داموا معترفين ومصدقين بما جاء به النبي r.

3 – التنزيه في التوحيد وتأكيد كافة أشكاله من الربوبية والألوهية والصفات والأسماء وردّ الخلق والأفعال إلى تقدير الله ومشيئته وقضائه وقدره، والقول بالاصطفاء للجنة والنار فضلاً ووعداً.  

4- الطاعة ودرء الفتنة ورفض الخروج على الحاكم، وهو ما تعبر عنه “العقيدة الطحاوية” التي تمثل النص الأبرز في الاعتقاد السلفي والحنبلي مع كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب وفيها: لا نرى الخروج على أئمتنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل”[4].

5- الاقتداء بالخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين والايمان بعدالتهم والسكوت عما بدر بينهم من خلاف، ولهم مواقف شديدة في الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة في مواجهة من يعتبرونهم مخالفين لم تقف عند حدود المعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية والمشبهة بل طالت الصوفية، والأشاعرة، والشيعة الإمامية وكافة الفرق الأخرى.

6- ترفض السلفية البدع وهي عندهم “الحدث في الدين أو ما استحدث بعد النبي من الاهواء والأعمال..” لذلك يرفضون كل منتج فكري بعيد عن أصل الدين، بل يذهب بعضهم إلى تكفير الأخذ به شأن كل البدع الفكرية المخالفة الآتية من الحضارة الغربية وهم يشددون على كمال الدين وتمامه، لذلك يعدُ الليبراليون والعلمانيون والشيوعيون بل وحتى القوميون أشد أعداء السلفية، وقد صدرت فتاوى عديدة في المملكة العربية السعودية بتكفيرهم، دون تعيين، وإن كان الموقف من المسألة الديموقراطية والمشاركة في الحياة السياسية بدأ يشهد بعض التطور داخل بعض أجنحة السلفية كالسلفية الحركية أو السرورية، التي بدأت بعض فروعها في الخليج بالتوجه نحو العمل السياسي والبرلماني[5]. إلا أن السلفية العلمية والتقليدية ترفض فكرة التنظيم والبيعة ويتفقان معاً على رفض الاحتكام للقوانين الوضعية ودخول المجالس البرلمانية وهو ما اتجهت إليه حركة الأخوان المسلمين والتيار الحركي السروري في عدد من البلدان.

  هذه المنظومة لم تتشكل إلا عبر مسارات تفاعلية مع تلك الموجات التاريخية الثلاث الكبرى التي مثلت عوامل دفع لهذه الدعوة، بقدر ما مثلت عوامل تأصيل لها جعلتها على مستوى الحركة والعقيدة تنتعش على الدوام، وتعود إليها الروح كردة فعل على تحديات تستشعر فيها الجماعة خطراً على الدين من الداخل أو الخارج، ويصح القول بالتالي أنها حركة دفاع وتمركز حول الذات تتحصن في التاريخ، وتستلهم “النموذج” كفعل هروب لا واعٍ من تحديات الواقع وإنكساراته، وهو ما تعبّر عنه ممارسات تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة في كافة اتجاهاتها في عصر العولمة واكتساح قيم الغرب وأنماطه الثقافية.

السلفي والأصولي:                                                               

  لا يميز البعض بين السلفية والأصولية وهذا خطأ معرفي ومنهجي، فالسلفية في دعوتها الأصلية كما بيّنا قامت على تطهير المجتمع من البدع والعادات والتقاليد المخالفة للشريعة كزيارة المقابر والإيمان بالأولياء والسحر والتنجيم والتعاويذ والتصوّف الشعبي وتقديس الموتى، وبهذا المعنى لا تبدو السلفية مذهباً شبيهاً بالمذاهب الإسلامية القديمة، بقدر ما تبدو كفرقة حنبلية جديدة، رغم أنها تدعو إلى تجاوز كل المذاهب الإسلامية التي سبقتها والعودة إلى الاجتهاد اعتماداً على الكتاب والسنة فقط.

  في المقابل نشأت الأصولية في بيئة مختلفة، فهي ظهرت في مجتمعات مدنية متقدمة مصر وبلاد المشرق العربي، وفي ظل ظروف وتحديات بالغة التعقيد (سقوط الخلافة، ونكبة فلسطين، والاستعمار الأجنبي) ورداً على هذا الخطر دعوا إلى مقاومة التحديث وتقويض الدولة الوطنية، مؤسسين لخطاب يتحدث عن الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية[6].

  الأصولية في هذا المعنى خطاب اسلامي مؤدلج يقدم منظومة أفكار تنطلق من الحاضر إلى المستقبل، وذلك على خلاف السلفية التي تنظر إلى الحاضر لتخليصه من شوائب وممارسات الماضي، متخذة من سيرة السلف الصالح ومعتقداته وممارساته عقيدة لتطهير الدين من جاهلية الماضي ووثنيته، في حين تعتبر الأصولية أن المجتمع الإسلامي القديم قد زال وحلّ محله التحديث والتخريب والكفر والطاغوت، وعلينا أن نتصدى لذلك كله لإقامة المجتمع الإسلامي الأصيل على أنقاض المجتمع القائم الملوث.

  للسلفية عموماً آليات استدلال خاصة بها، تختلف عن التفكير الأصولي، فهي ترفض القياس والاستحسان والإجماع، الذي أخذت به مذاهب الحنفية والشافعية والمالكية بالخصوص. ويكاد يهيمن “السند” على كل شيء باعتباره فوق كافة الآليات الاستدلالية الفقهية التي يعتمدها الأصوليون، لذلك ترفض السلفية مناهج إصلاحية صار لها شرعيتها ويتحفظون عليها كالمنهج أو المدخل المقاصدي، وهذا ما يُدخل المنهج المعرفي السلفي في قلب مدرسة “الاتباع” وإن كان لا يدفعه بإتجاه “التقليد”، لأنه لا يعتمد على تقليد إمام ولا على مذهب بل هو ضد المذهبية، حيث يلجأ مباشرةً إلى النصوص من الكتاب والسنة، لكنه لا يُعمل فيها آلية “الاجتهاد” وفق أسس محددة شأن المذاهب الأخرى. إذن يقع “الأتباع” هنا في مرتبة بين الاجتهاد والتقليد، حيث يلجأ مباشرة إلى النصوص ويقيس عليها ولا تقاس على ما لديه من نتاجات فقهية ومذهبية أخرى.

  هذه المبادئ العامة، تمثل المرجعية الكبرى لكافة التيارات السلفية المعاصرة، إلا أن بعض الاختلاف بدأ ينشب حول بعض المسائل التي تمثل محركات نظرية وحركية عند بعض الجماعات السلفية المعاصرة، كالسلفية الجهادية، وهي تمحورت على المبدأ الرابع المتعلق بموضوع تكفير الحاكم والخروج على طاعته ومنابذته بالسيف. وعلى خلفية هذا الاختلاف قام السجال السلفي باعتبار الجهاديين أهل فتنة وخوارج، واعتبار الأخوان المسلمين والتيار السروري، الذين قبلوا الاحتكام للقوانين الوضعية والدخول إلى المجالس البرلمانية، والتزموا بفكرة البيعة والتنظيم، بأنهم مسيسون وأن إيمانهم مشوب بالهوى، وأنهم غير مهتمين بالتوحيد باعتباره القضية الأولى في التصور الإسلامي، بينما يقترب نقدهم لجماعة التبليغ والدعوى ذات الأصل الهندي من انتقادهم للمتصوفة من جهة إهمالهم للعلم الشرعي[7]. ويمكن تصنيف التيارات السلفية الجديدة اليوم وفق هذه الاتجاهات، هذا فضلاً عن الاتجاه التقليدي الرسمي الذي هو استمرار بشكل أو بآخر للسياق التاريخي للسلفية الوهابية الذي تمثله المؤسسة الرسمية السعودية:

1السلفية العلمية أو الألبانية:

  يمكن تصنيفها في سياق التيار السلفي المحافظ والتقليدي الذي اهتم بتحقيق التراث ومحاربة البدع وتصحيح الاعتقادات، وهي المهمة التاريخية التي قامت بها السلفية الوهابية من خلال المؤسسة الرسمية السعودية، إلا أن السلفية الألبانية ومن ثم السلفية المدخلية أو الجامية التي نشأت فيما بعد على نسقها تابعت نفس الاتجاه مع بعض التميزات التي اختص بها مشايخها.

  يقدم هذا التيار نفسه باعتباره دعوة إلى العودة إلى الأصول ومنهج علمي وعملي حمله الصحابة وتميزوا به وحمله التابعون من بعدهم، وهو فضلاً عن ذلك حركة تجديد لا تؤمن بالعمل الجماعي ويقتصر نشاطها على الجانب الدعوي والتعبوي، وتنبذ الحزبية الحركية وتعتبرها ضرباً من الابتداع. إنها تهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق الشريعة والوصول إلى الحكم بشكل غير مباشر، بمعنى أنها لا تصطدم مع الأنظمة ولا تنكر شرعية الحاكم الدينية والسياسية على اعتبار أنه ولي الأمر، وتستخدم وسائل دعوية سلمية لنشر مبادئها، وتؤمن أن باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة، والذي من خلاله يمكن الإجابة عن كثير من التساؤلات والشبهات والنوازل المعاصرة التي تمر بها الأمة من خلال الفتاوى والاجتهادات. 

  الشيخ ناصر الدين الألباني[8] (1914- 1999 م) مؤسس هذا التيار الذي يحظى بانتشار في أوساط شعبية متزايدة في العالم الاسلامي هو ألباني الأصل هاجر والده من ألبانيا عام 1332هـ واستقر في دمشق، نجح في التعلم والتبحر بعلوم الحديث بعد أن ذاع صيته نظراً لقوة حجته بين أقرانه من الطلبة، وبدأت مسيرته داخل المدن السورية المختلفة لإلقاء المحاضرات والدروس، واشتهرت محاضراته وكتبه في العالم الإسلامي إلى أن طلب منه رئيس الجامعة الإسلامية والمفتي العام للملّة السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ تدريس علوم الحديث والفقه في تلك الجامعة وتمكّن من إدخال تدريس علم الإسناد إلى مناهج الجامعة الإسلامية.

  جلّ اهتمام السلفية الألبانية بالمسائل العلمية المتعلقة بتصحيح عقائد وعبادات الناس وتطهيرها مما علق بها من شوائب وانحرافات، لذلك ركزت على الأصول العلمية وهي:
التوحيد، والإتباع، والتزكية، حيث يقصد بالتوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب بالاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى واحد في ملكه وأفعاله، وواحد في ألوهيته وعبادته لا شريك له.

2- السلفية الحركية أو السرورية:

  تيار الصحوة الإسلامية أو التيار الصحوي هو تيار وهابيّ العقيدة، إخواني الفكر والتنظيم برز بقوة خلال ثمانينات القرن الماضي ويطلق عليه خصومه التيار السروري، أما تسميته بالسروري فهي نسبة إلى القيادي الأخواني السوري السابق الشيخ محمد سرور زين العابدين بن نايف[9] الذي قدم إلى المملكة العربية السعودية في منتصف ستينات القرن الماضي وعمل أستاذاً في معهد بريدة العلمي لمدة تزيد عن خمس سنوات هاجر بعدها إلى الكويت وانتقل بعد إقامته فيها أربع سنوات إلى لندن التي أسس فيها مركز دراسات السنّة النبوية في مدينة برمنجهام البريطانية وأصدر منها مجلة السنّة النبوية التي لعبت دوراً كبيراً أثناء حرب الخليج الثانية خلال الصراع الذي احتدم بين هذا التيار والسلطات الحاكمة السعودية على خلفية فتوى استقدام القوات الامريكية لحماية المملكة وتحرير الكويت، ويقيم الشيخ سرور حالياً في العاصمة الأردنية عمان.

  الجدل حول وجود هذا التيار الذي بات مصطلحاً على تسميته في الوسط الإعلامي فضلاً عن الوسط الحركي بـ «التيار السروري»، والذي بات يشكل ظاهرة محسوسة في هذا الوسط، يعود بشكل كبير لحالة السرية والكتمان التي فرضها مؤسسوه كجدار حديدي حوله، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الكثير من الأقاويل والشائعات والأخبار والتكهنات حول هذا التيار طوال فترة التسعينات وحتى اليوم.

  باختصار يمكن القول أن السرورية تميزت كدعوة وحركة جديدة على الجمع بما بين التصورات القطبية – المودودية العقدية حول الحاكمية والجاهلية، وبين الأسس العقدية والفقهية والمنهجية للسلفية الوهابية في التعاطي مع الأصول ومصادر التشريع.

  ينتسب إلى هذا التيار مفكرون ودعاة كبار كالشيخ سفر الحوالي، وناصر العمر، وسلمان العودة، ومحمد العبده، وعائض القرني، ومحسن العواجي، ورغم الاختلافات ببعض الفروع إلا أنهم يشتركون في عددٍ من الأفكار الرئيسية التي تدور حول الحاكمية وتكفير المخالفين والشدة عليهم، وإن توقف بعضهم في مسألة تكفير “المتعيّن”، ومسألة الولاء والبراء التي هي ركنٌ أصيل في منهجهم حيث الولاء في الدين وليست الوطنية عندهم إلا بدعة استعمارية غربية والقومية فكرة شيطانية صدرها الغرب لنا. ولا تتردد السرورية في انتقاد الوهابيين التقليديين وتصفهم بأتباع الإسلام القشري أي الذي يتمسك بالمظاهر دون جواهر الأمور كالحكم والدولة، مع ذلك ليس هناك تطابق بين السرورية والسلفية الجهادية، بل إن العلاقة ملتبسة بينهما إلى أبعد الحدود. قد تكون السرورية شكّلت جسراً فقهياً وحلقة وصلٍ فكرية بين أسامة بن لادن وسيد قطب، فضلاً عن السلفية التقليدية، لذلك لم يكن غريباً أن العديد من قيادات ورموز القاعدة وتيار السلفية الجهادية قد تتلمذوا أو مروا في حضانةٍ فكرية داخل التيار السروري قبل أن يقفزوا باتجاه التيار الجهادي.

  لقد مثلت فترة الثمانينات وحتى بداية التسعينيات فترة ذهبية لما بات يعرف بالصحوة الإسلامية في السعودية وهي الفترة الذهبية التي استفاد منها السروريون كثيراً من خلال استغلالهم للخطاب الفكري والدعوي للعديد من رموز الصحويين في تلك الفترة والذين يأتي في مقدمتهم الشيخ الدكتور سلمان العودة، ورفيق دربه عائض القرني.

  ورغم أن كلاهما لا يلتزمان تنظيمياً بأي تيار بل يمثلان تياراً فكرياً مستقلاً فإنهما يتقاطعان في بعض الرؤى مع هذا التيار ولهم تأثير كبير وخاصة بعد قضائهما ما يقارب الخمس سنوات في السجون السعودية وخصوصاً الشيخ سلمان العودة الذي ظل في السجن من عام 1994 م وحتى 1999 م. أما بالنسبة للشيخ سفر الحوالي فهو لا شكّ أحد أهم رموز التيار السروري في السعودية وتمثل محاضراته وكتاباته رافداً فكرياً وعقدياً لأتباع هذا التيار، ويعد كتابه «ظاهرة الإرجاء في العالم الإسلامي» بمثابة ردّ مبطن على السلفية التقليدية ومرجعاً فكرياً وعقدياً هاماً لدى هذا التيار.

  يعدّ المفكر الإسلامي المصري المقيم في السعودية محمد قطب الأخ غير الشقيق للشهيد سيد قطب كأحد دعائم هذا التيار الحركي الفكرية وتعد كتبه كروافد فكرية رئيسية له.

  ويخوض التيار السروري معركة فكرية شديدة مع عدد من التيارات الإسلامية وفي مقدمتهم الإخوان والسلفية الجامية أو المدخلية والمقبلية -إن صحّ التعبير- وكل هذه التيارات منطوية تحت مسمى السلفية التقليدية، إذ يرى السروريون أن السلفية التقليدية غيّبت وعي الأمة من خلال نشر فكرة الطاعة المطلقة للحكام وتحريم حتى مجرد المعارضة السلمية التي تعد مبدأً ثابتاً من مبادئ أصحاب السنة والجماعة.

  أما الأخوان المسلمون فإنهم -بنظر السروريون- متساهلون في كثير من الأمور التي لا شك في مقدمتها العمل السياسي الحزبي والإيمان بالديمقراطية والكثير من المبادئ الأخرى من قبيل حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وقضية المرأة والقبول بالآخر وهلم جرا من الإشكالات التي تصل إلى مسائل العقيدة والتوحيد. إلا أنه يمكن القول في هذا المجال أن هذا التيار يشهد ديناميكية فكرية ملفتة تنعكس على وحدة أفكاره، لكنها بالإجمال تتجه نحو الانفتاح ومراجعة الأفكار وخاصةً ما يتعلق بالآخر والمواطنة ومسائل المشاركة السياسية وخاصة بعد الثورات العربية. 

3- السلفية الجهادية… لقاء الأصوليين بالسلفيين:                                             

  ولدت السلفية الجهادية على أرض الجهاد الأفغاني ضد السوفيات “الشيوعيين الكفار”، هذا الجهاد الذي أطلق موجات كبرى من الزخم الإسلامي باتجاه أفغانستان، وهناك تحققت أكبر عملية ربط واندماج فكري وسياسي بين اتجاهين معلنةً بذلك ولادة تيار جديد تمثل بالسلفي الوهابي السعودي أسامة بن لادن، والأصولي القطبي المصري أيمن الظواهري وقائد تنظيم الجهاد، وقبله بعبد الله عزام، الإخواني الفلسطيني الذي تأثر به أسامة بن لادن كثيراً وكان له تأثير مميز على كل “الأفغان العرب”، في تحالف يمثل بشكل لافت امتزاج تيارين على “أرض الجهاد” عام 1998، والتي شهدت إعلان الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين وولادة القاعدة حيث أعلنت أن الخطر الداهم على الإسلام ليس الأنظمة القريبة وإنما في التحالف الصهيوني– الأميركي، وأن الفريضة الراهنة هي المواجهة مع أميركا واليهود وحلفائهما وليست المواجهة مع الحكام.

  وقد وصلت السلفية الجهادية في صياغتها الجديدة إثر التفاعل بين التيارين الوهابي والسلفي والقطبي والأخواني إلى معادلة تمثل “مثلث الصراع” النظري المعرفي والعملي الجهادي وهي: كفرانية النظم وجاهلية المجتمع والجهاد سبيلاً للتغيير. ولتأصيل هذا المثلث عمد منظروها إلى توجيه كافة المباحث الكلامية القديمة توجيهاً عملياً من خلال توظيف كافة المرجعيات العقائدية والفقهية لإقامة برهانهم النقلي والعقلي على ذلك وفق آليات التأصيل الإسلامي المعروفة.

  ومن أبرز المنظرين للتيار السلفي الجهادي أيضاً أبو محمد المقدسي[10] (عصام البرقاوي) الذي كان من أبرز تلاميذه في الأردن أحمد فضل نزال الخلايلة المتحدر من قبيلة بني حسن إحدى أكبر القبائل الأردنية، وهو الذي سيعرفه العالم لاحقاً باسم “أبو مصعب الزرقاوي”.

  كذلك لعب عمر محمود عثمان أبو عمر المعروف باسم “أبو قتادة الفلسطيني” دوراً هاماً في الدعوة لهذا التيار. وهو انتسب في بداية حياته إلى جماعة التبليغ والدعوة، ثم نشط في الاتجاه الفكري السلفي في الأردن، وتقرب من الشيخ السلفي الشهير ناصر الدين الالباني، ثم ما لبث أن اختلف معه لتمسكه بالسلفية المدرسية. أسّس بعد ذلك حركة “أهل السنة والجماعة”، سافر بعدها إلى أفغانستان، ثم استقر في بريطانيا لاجئاً عام 1995، وهناك لمع نجمه كمنظر سلفي جهادي وداعية حركي لعدد من الجماعات الإسلامية المقاتلة، وتحول مفتياً ومفكراً لها، ولا سيّما منها تلك التي في شمال افريقيا، كالجماعة الإسلامية في الجزائر وليبيا.

  ما يميز السلفية الجهادية عن غيرها من السلفيات، ليس إعلانها جاهلية المجتمعات المعاصرة كلها، وليس إعلانها كفرانية النظم التي لا تحكم بما أنزل الله، بل إعلانها الصريح أن الجهاد المسلح سبيل أوحد للتغيير. لذلك هي ترفض أي طريق آخر لإقامة نظام الخلافة الإسلامية، كالدخول في البرلمانات أو التربية والتثقيف والثورة الجماهيرية السلمية أو إشاعة الوعي الإسلامي. هذا المنهج القتالي المسلح كما يقرره غالبية رموز هذا التيار “لا حيدة عنه إلى الوسائل السلمية الأخرى لأنه حكم شرعي وقع بالنص والإجماع”.

4- السلفية الجامية… المدخلية: السمع والطاعة.

  ولدت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحديداً، لذلك توصف أحياناً بسلفية المدينة وأحياناً بالسلفية المدخلية وغيرها من الأسماء، كلها تشير لاتجاهٍ سلفي واحد، شهد ولادته على يدي محمد أمان الجامي الذي كان يدرس في تلك الجامعة وحيث كان يقيم هناك عدد من رموزها، استفاد الجامي من صحوة علم الحديث على يدي الشيخين الراحلين الألباني وعبد العزيز بن باز أثناء تدريسهما في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي كان يرأسها الأخير فترة من الزمن. يمكن القول أن الجامية تبلورت في الأساس كرد فعلٍ على صعود السرورية التي مثلت الهجوم النظري والعملي لأدبيات الإسلام السياسي المشرقية على السلفية المهزومة حينئذٍ، والإندماج بها لذلك لم يكن غريباً إن أوج صعود الجامية هو الفترة نفسها التي شهدت صعود السرورية حين رفضت الأخيرة بشدة الإستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت، حيث رأت الجامية في هذه المواقف خروجاً عن طاعة ولي الأمر وخروجاً كذلك عن المنهج السلفي. يتسم التيار الجامي في أدبياته بتمسكه بمنهج “الجرح والتعديل”، فهذا التيار يصر على اتهامات الجماعات الأخرى وكشفها أو جرحها دون أعذارٍ لها أو صمتٍ عنها، من هنا تميزت كتابات منظري هذا التيار كربيع المدخلي، ومقبل بن هادي الوادعي، ومحمود الحداد وغيرهم الذين أخرجوا العشرات من المؤلفات في اتهام الجماعات الأخرى، وتعرية رموزها ورفض كتاباتها وأطروحاتها حول التنظيم الحزبي وإقامة دولة الإسلام، فضلاً عن فضح كل ما تراه من شبهٍ عقدية أو قبورية في فكر تلك الجماعات، مع تأكيدها أن هذه الجماعات ما هي إلا دعوات الباطل في مقابل دعوة الحق التي تتماهى معها الجامية، حيث تتحقق الشروط فيها وتضع المعايير التي تتمايز بها عن دعوات أو جماعات الباطل.

إشكالية المنهج السلفي:

  وبغض النظر عن المراحل التي انتعشت فيها السلفية، فهي تحركت على الدوام ضمن مشهد معرفي رسم أصول التفكير وقواعد السلوك داخل فضائه.

  التاريخ بالنسبة إلى السلفية هو إحالة إلى “أفضل العصور وأولاها بالاقتداء والإتباع” فالماضي هو المنطلق والمرجع،ولا مشكلة في قراءة التاريخ وتمثّل التجارب والخبرات، فالتاريخ هو ذاكرة الشعوب ومستودع خبراتها ووعيها، لكن السلفية لا تكتفي بمجرد الإحالة إلى العصر الذهبي، وإنما تعمد إلى تأسيس منهج يقنن العلاقة بالتاريخ والتراث، مما يحول الأمر إلى استدعاء للتاريخ وقراءته بصورة ايديولوجية تستهدف صياغة الحاضر وفق صورة مثالية مقتطعة من الماضي.

  وهكذا تصبح “القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة عملاً بالحديث النبوي المصنف في الصحاح: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” هؤلاء هم السلف في أفضل العصور، والأصلح للاقتداء بعد الرسول r هم الصحابة، هنا يكمن النموذج المثالي الذي يجب أن يقتدى به وأن يصبغ عليه صورة القداسة، حتى ولو أدّى ذلك إلى “خيانة التاريخ”، فالسلف الصالح اختلفوا وتصارعوا وتساجلوا وتوزعوا في اتجاهات ومواقف متعددة وهم ليسوا كتلة واحدة كما قد توحي عبارة “السلف الصالح”. لذلك يرفض السلفيون الخوض في الملفات التاريخية الشائكة، فخلافات الصحابة لا يصح الخوض فيها، بل يجب الوقوف عند فضائلهم فقط، وهذا يؤدي إلى تنزيه الرجال وتبييض التاريخ، وطمس بعض الوقائع والقفز فوق الأحداث، مما يؤسس لمنهج انتقائي يدعم الصورة المثالية للمرحلة التأسيسية كما يرغب بها هؤلاء وليس كما هي بالفعل، كحالة جدل تاريخي يجب الوعي بها واكتساب الخبرة منها.

  بعد الصحابة يأتي التابعون “الذين غمرهم ضياء النبوة بإتباعهم لأصحاب رسول الله والاهتداء بهديهم والنيل من إشراقاتهم “بعدهم يتقدم تابعو التابعين” إيذاناً بنهاية مرحلة الصفاء الفكري وخلوص الفطرة الإسلامية من الشوائب الدخيلة، حيث بدا في هذا الوقت ظهور البدع ظهوراً فاشياً”. هكذا يؤسس صاحب كتاب أعلام الموقعين لقاعدة منهجية سلفية تقول: “فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين، وهلم جرا. وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب. فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين”[11]. هذه المنهجية تنقل الإحالة إلى التاريخ من إحالة هدفها الاعتبار والفهم إلى تعلق بـ “النموذج” وتقديس لرجالاته، باعتبار المرحلة تلك، هي النموذج المتحقق والمفقود. هذه المنهجية تنظر إلى التاريخ في سيره اتجاهاً انحدارياً، فبعد القرون الثلاثة الأولى المفضلة أخذت مراحل الانحدار تتسارع وتزداد كلما افترق المسلمون شيعاً وأحزاباً مبتعدين عن الإسلام كما فهمه السلف وطبقوه عقيدة وشريعة وأخلاقاً.

  هذه المنهجية السلفية التي ترسم العلاقة بالمرحلة التأسيسية للإسلام هي التي تفسر لنا قوة حضور الماضي في الذهنية المعرفية للحركات الإسلامية المعاصرة، حيث لا تزال الجزئيات تحتل موقع الكليات، والحيثيات تتغلب على الكيفييات وتفرض نفسها على العقل الإسلامي لتزيد من إرباكاته، والمشكلة أنه حين يصبح الطموح نحو الأفضل أسير التاريخ والماضي يذبل الإبداع ويغلب التقليد والإتباع.

  مأزق هذه المنهجية السلفية أنها انتقائية فضلاً عن أنها تاريخية، فبعد الرسول والصحابة والتابعين وتابعيهم، ينتقون الإمام ابن عبد الله أحمد بن حنبل من بين الأئمة الأربعة الذي يعتبر مؤسس هذا التيار ومنظره الأول، ويتابعون مع سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن الذين يحتلون المرجعية الأولية في المنهجية السلفية. ويتواصل الخيط الرابط إلى القرنين السابع والثامن مع المنظر الثاني للسلفية. ابن تيمية بمعية تلميذه ابن قيم الجوزية، وصولاً إلى محمد بن عبد الوهاب وباقي التيارات التي نهجت على نهجه. ولا جدال في أن هذه الأسماء لها مكانتها وتأثيرها الكبير، إلا أن الانتقائية تحرمنا وتحرمهم من الاطلاع على ما أنتجه رجالات عظماء أسسوا مناهج عديدة للنظر والتدقيق والتحليل لا تقل علماً وجهاداً وتأثيراً، وليس من العدل والإنصاف طمس أو تجاهل جهودهم.

  الآخروالموقف منه يمثل المأزق الثاني وهو نتيجة طبيعية للمنهج الانتقائي، ويؤدي في تداعياته المنطقية إلى بناء منظومة فكرية إقصائية واستبعادية، تتحول السياق الديني إلى نزعة تكفر “الآخر” المخالف، مسلماً كان أم غير مسلم، وهي نزعة تخلق الأساس الموضوعي للعنف الذي عانت منه الأمة في مراحل متعددة.

  يقود هذا المأزق في استلهام التاريخ الانتقائي تجاه الآخر للحفاظ على الهوية إلى الانغلاق على الذات وهو حل شكلي هروبي، ذلك أن الحفاظ على الهوية لا يكمن حقيقة في استرجاع الماضي أو الاتكاء على التراث فقط، بل بتأكيد الفعالية الذاتية وقيم الإبداع والاجتهاد في مواجهة الواقع المتغير أبداً. إن مقولة “العودة” إلى الماضي تحدث في اللاوعي شللاً في الإبداع والاجتهاد، لأنها تؤدي إلى أن الإسلام تحقق كلياً في الماضي، ومهمة المسلمين استعادة ما تحقق وتكراره من جديد.

  النص في المنهج السلفي أيضاً اتخذ منحى التشدد والضبط، ذلك أن العودة إلى النص الشرعي يمكن أن تعتبر في حد ذاتها نقلة نوعية في منهجية التفكير، لأنها تحرر العقل الإسلامي من ثقل النصوص الفقهية، وتؤدي إلى الإقرار بعدم إلزاميتها، بل تزيل عنها وهم القداسة الذي تلبسته، دون أن يعني ذلك إسقاط أهميتها المعرفية. وهو ما عبر عنه الإمام مالك في مقولته الشهيرة “كلكم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر”.

  تتضمن مسألة العودة إلى النص بعداً تجديدياً لأنها تتيح اكتشاف مخزونات النص القرآني والسنة النبوية، كما تتضمن ثقة بالعقل الإسلامي الاجتهادي، دون وساطة السابقين، بما يؤدي عملياً إلى جدل النص والواقع المعاش من خلال استنباط معاني جديدة له.

  لكن المشكلة أن السلفية تشددت في التعامل مع النص وبالغت في التمسك به إلى درجة التوجس في الرأي وإعمال الفكر، والقول بأن النصوص قد أحاطت بكل صغيرة وكبيرة، وعليه تم توسيع مفهوم النص الشرعي ليشمل الآثار، أي الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، وكذلك فتاوى الصحابة وأقوالهم حتى ولو تعارضت، وكان أحمد بن حنبل يقول “الحديث الضعيف أقوى من الرأي”. بل أن الأمر بلغ إلى الوقوف عن ظواهر النصوص رفضاً للتأويل والقياس وكل صيغ إعمال الفكر أو مناهج تفكيك اللغة[12].

  هذه القراءة تضعنا أمام منهجية نصوصية صارمة تحيل العلاقة بالنص إلى علاقة تلقٍّ وأخذ جامدة أكثر منها علاقة حيوية تتفاعل معه وتغوص في أعماقه باحثة عن دلالاته في ضوء تحديات الواقع المعاش. المنهجية النصوصية تحوّل العودة إلى النص، عودة إلى فهم النص كما فهمه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين (السلف الصالح)، مما يؤدي إلى تقييد النصوص بتفسيرات وتأويلات أجيال القرون السابقة.

  العقيدة عند السلفية اكتسبت أيضاً بعداً مركزياً في المبررات التأسيسية لنشأتها، فهي تقدم نفسها دعوة للدفاع عن نقاوة العقيدة وصفائها، بدءاً بعقيدة التوحيد وكل ما له علاقة بالغيب، وبالرسول اتباعاً واقتداء، وصولاً إلى كيفية التعبد بعيداً عن البدع وكل مظاهر الشرك. وهي بهذا لعبت دوراً تحررياً هاماً من خلال مواجهتها الشرسة لكل مظاهر التخلف والجهل التي سادت في مراحل متطاولة، كعبادة القبور والتبرك بالموتى والاعتقاد في السحر والخوارق والخرافات وتشويه صورة العلاقة بالله وبالرسول، وهي مظاهر لا يزال الكثير منها سائداً حتى اليوم، يسطح الذهن ويقدم أنماط لا عقلانية من السلوك والنظر للعقائد والظواهر الطبيعية والاجتماعية. عملت السلفية على إزالة كل الوسائط التي صنعها الناس واعتمدوها في علاقتهم بالله، وإعادة الدين إلى بساطته وأصوله.

  وصراع السلفية مع الصوفية قديم، وما حصل في المغرب في الحرب التي خاضها عبد الكريم الخطابي، وفي الجزائر مع عبد الحميد بن باديس كشف عن العلاقة القوية التي ربطت مشايخ الصوفية بالاستعمار الفرنسي، وأدى إلى مواجهة شملت المجالين الثقافي والسياسي، مما سحب الشرعية عن عدد كبير من الزوايا والمشايخ المؤثرين في مشاعر أغلبية سكان الأرياف وبعض المدن. لكن المأزق تبلور عندما وقفت السلفية عند حد الدفاعات العقائدية، فما حصل هو نوع من الفرز العقائدي لم يتطور باتجاه إعادة إنتاج علوم متجددة للدين وأصول الفقه والتربية في ضوء حركة الواقع المتغير والمعاش وقوانين الطبيعة والمجتمع.

  وهكذا أصبح التفكير السلفي حبيس الفكر العقائدي الضيق، مما ضخم الحساسية العقدية لبعض السلفيين فجعلهم أسرى لشكليات التدين وقضايا الغيب كالزي واللحية وأسلوب الكلام وحدود العلاقة بالمرأة وكيفية دخول البيوت وطريقة تناول الطعام أو الجلوس…الخ.

  وبدل أن تنتج الحالة السلفية كعملية لتطهير وتبسيط العقائد، حالة تحرر وانطلاق، أنتجت عقلية إقصائية نمت بشكل مطرد، وأدخلت الفرز العقائدي إلى جانب الفرز الحاصل سياسياً واجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى تعميق التجزئة، في الوقت الذي رمت المقاصد السلفية إلى التوحيد، فظهرت فرق وطوائف تدعو للمفاصلة والتميز بكل الوسائل لأن النتيجة الطبيعية للفرز العقائدي، أن ينقسم الناس إلى فسطاطين، الكفر والإيمان، ولا منزلة وسطى بينهما.

  السلفيات المعاصرة اليوم تيارات عدة تجمعها منطلقات عقدية وفقهية وتفرقها رؤى واجتهادات وقراءات تتعلق أكثر ما تتعلق بتنزيل الأحكام على الواقع، وهي تعبر عن نفسها بحركات وجمعيات وأطر ناشطة في العالم الاسلامي، ولكل تيار منها شيوخه ورموزه، حتى أصبحت بعض هذه التيارات تنسب إلى هذه الرموز.


* – أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

[1] – فهمي جدعان: المحنة، بحث في جدلية الديني والسياسي في الاسلام، عمان دار الشروق، 1989.

[2] – لمزيد من التوسع انظر كتابنا الحركات الاسلامية في لبنان، إشكالية الدين والسياسة في مجتمع متنوع، دار الطليعة، بيروت، ط 2006، ص 263و268.

[3] – ذكرها جميعها الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب واعتمدنا في عرضها على الشيخ عبد العزيز بن باز في كتابه: العقيدة الصحيحة ونواقض الاسلام، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413، ص 27و28و29.

[4] – أنظر شرح العقيدة الطحاوي: تحقيق الشيخ الألباني (منشورات المكتب الإسلامي)، 1984، صفحات متفرقة.

[5] – هاني نسيرة: السلفية في مصر، تحولات ما بعد الثورة، كراسات استراتيجية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 220، السنة الحادية والعشرون، 2011، ص11-12.

[6] – رضوان السيد: جريدة النهار، العدد2139، في 23 أيلول– سبتمبر، 2007.

[7] – هاني نسيرة: المرجع السابق، ص12.

[8]– وهو كبار علماء السلفية المعاصرة وعلماء الحديث النبوي الشريف، تتلمذ على يديه عدد من كبار مشايخ الدعوة السلفية مصر والعالم الاسلامي، وهو سوري من أصل الباني، توفي في مطلع القرن الواحد والعشرين.انظر الرابط الرسمي للشيخ وفيه السيرة الكاملة له http://www.alalbany.net/albany_serah.php

[9] – لمزيد من المعلومات عن شخصية هذا الداعية أنظر:

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B3%D8%B1%D9%88%D8%B1

[10] – حول كتبه ومواقفه انظر موقع منبر التوحيد والجهاد  http://www.tawhed.ws/  

[11] ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين، ج 4، ص 118.

[12] – صلاح الدين الجورشي: إشكاليات الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات العالم الإسلامي، 1991، ص 214.

 

أضف تعليق